صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية كتاب "الحركات الاحتجاجية في الوطن العربي (مصر – المغرب – لبنان – البحرين)".







وجاء في تعريف الكتاب ما يلي:


  يمكن القول إن ظاهرة الاحتجاجات لصيقة بمختلف النظم السياسية، فهي موجودة في النظم الديمقراطية وغير الديمقراطية، ولكنها في الأولى عادة ما تؤدي إلى تطوير النظام. أما في الثانية فإنها تكرّس، وربما تعمّق الأزمات، لأن النظام، عادة ما يعجز عن الاستجابة لمطالب المحتجين، وكثيراً ما يعمل على التحايل عليها.

وهنا، أهمية هذا الكتاب الذي اقترب من خبرات ونماذج مختلفة، من الصعب وجودها في مكان آخر خارج الوطن العربي. لقد رصد هذا الكتاب مسار الحركات الاحتجاجية في أربعة بلدان عربية (مصر، المغرب، لبنان، البحرين)، مسجلاً طوابع التنوّع والتمايز والتشابه، مع العناية بمعرفة الأبعاد المختلفة لهذه الاحتجاجات والسياقات السياسية والاجتماعية التي ظهرت فيها، إرادة استشراف مستقبلها وقراءة مضامينها المختلفة.

وقد بدا واضحاً من الدراسات الأربع حجم التباين في مسار الحركات الاحتجاجية، وهو الأمر الذي جعلها في بعض الأحيان حركات احتجاج اجتماعي بامتياز لم تقترب من المجال السياسي، كما جرى في الحالة المصرية، أو حملت مزيجاً بين السياسي والاجتماعي، كما هو في الحالة المغربية. أما في لبنان فيمكن اعتبارها نتاج حركات أو فعل سياسي، حيث توظف القضايا الاجتماعية من أجل حسابات سياسية، بدون أن يعني ذلك غياب القضايا الاجتماعية. أما في البحرين فقد عكست حالة من الاستقطاب السياسي "الثنائية القطبية" بين سلطة قائمة ذات انحيازات مذهبية ومعارضة سياسية ذات طابع مذهبي أيضاً، وهو الأمر الذي جعل الحركات الاجتماعية ذات طابع سياسي ومذهبي واضح.
لم تكن حركات الاحتجاج والثورة الشعبية التي شهدتها بلدان عربية عدة، ولا تزال شراراتها مهيأة للاشتعال في بلدان أخرى وليدة اللحظة الراهنة، بل سبقتها تراكمات كثيرة عبرت عنها حركات الاحتجاج في العديد من البلدان العربية. من هنا تبرز أهمية هذا الكتاب الذي يحاول فيه مجموعة من الباحثين العرب دراسة تلك الحركات الاحتجاجية.

ورصد مساراتها وخلفياتها في أربعة بلدان هي مصر والمغرب ولبنان والبحرين كاشفين عن عناصر التشابه والاختلاف والتنوع، الذي وسم تلك الحركات في ضوء الكشف عن أبعاد تلك الحركات المختلفة، وسياقاتها السياسية والاجتماعية التي تندرج فيها بهدف استشراف آفاقها المستقبلية، وتحديد مضامينها التي تنطوي عليها تلك الحركات.

وتكشف الدراسات الأربع منذ البداية عن حالة التباين والاختلاف في مسارات تلك الحركات، إذ تميز بعضها بكونه حركات احتجاج اجتماعية لم تقترب من الشأن السياسي، وتبدو الحركات الاحتجاجية في مصر مثالا عليها، في حين تميز البعض الآخر منها بأنه مزيج من المطالب الاجتماعية والسياسية كما تمثل في الحالة المغربية.

بينما كانت الحركة في لبنان نتاج حركات أو فعل سياسي، جرى فيها تحويل الأهداف والمطالب الاجتماعية إلى أن تكون في خدمة الحراك السياسي دون أن تكون المطالب الاجتماعية غائبة عن هموم المجتمع اللبناني. وتنفرد الحالة البحرينية من حيث كونها تمثل استقطابا سياسيا ثنائي القطبية تتمثل في سلطة حاكمة ذات انحيازات مذهبية ومعارضة سياسية تحمل طابعا مذهبيا آخر الأمر الذي يجعل المذهبي يتداخل مع السياسي في مطالب الحركة الاحتجاجية هناك.

ويسعى المقدمون للكتاب إلى التمييز بين الحركات الاحتجاجية في النظم الديمقراطية، والأخرى في البلدان غير الديمقراطية، فهي في الأولى تسعى إلى تطوير النظام القائم وتوجيه انتباهه إلى حالات التهميش والظلم الاجتماعي، بينما الحركات الاحتجاجية في البلدان الأخرى تعمل على تعميق أزمات تلك النظم بسبب عجز الأخيرة عن تحقيق مطالب الحركات الاحتجاجية، ومحاولتها الالتفاف على مطالبها، فتكون بذلك غير قادرة على توظيف تلك الحركات في تطوير بنية النظام القائم، وتحقيق انفتاحه السياسي.

وتنتقل الدراسة إلى تقديم قراءة في أوضاع تلك البلدان الأربعة بدءا من النظام المصري الذي عاش منذ ثورة 1952 خوفا من انتفاضة سياسية حتى مرحلة حكم مبارك، التي شهدت تراجعا في تأثير القوى والتنظيمات السياسية لصالح حركة الاحتجاج الاجتماعية من قبل شرائح مختلفة.

وتكشف الدراسة عن نمطين بارزين من تلك الحركات السياسية التي بدأت قبل أكثر من عقد من الزمن تجلى في حركة كفاية، التي لعبت دورها في رفع سقف المطالب ونشر ثقافة الاحتجاج، لكنها ظلت عاجزة عن الاستقطاب الجماهيري الواسع، ما جعلها محدودة التأثير، إلا أن ثقافة الاحتجاج أسست لها، كما كانت ذات مفعول أكبر من الحركة ذاتها، ما ساهم في ظهور الموجة الثالثة من الاحتجاجات التي لم يكن الشارع ميدانها، بل أماكن العمل للفئات العمالية. وتنظر الدراسة إلى تلك الحركات الجديدة من زاويتين اثنتين، أولهما زاوية الفصل بين الاجتماعي والسياسي، وثانيهما ما قدمته تلك الاحتجاجات من صور جديدة، فاجأت به النخب السياسية الحاكمة والمعارضة معا.

على مستوى الحركات الاحتجاجية في لبنان يرى الباحث أنها قد تأثرت بطبيعة نظامها السياسي، سواء من حيث تاريخ ظهور المرحلة الجديدة من الحركات الاجتماعية، أو نوعية هذه الحركات وتأثرها بالقوى السياسية التي تقف وراءها. ويجمل أهم خاصتين يميزان تلك الحركات ويتمثلان في البنية الطائفية للنظام، وارتباطه بالمحيط الخارجي الإقليمي والدولي وتأثره به.
كذلك يحدد أهم حدثين أثرا في تلك الحركات الأول، والذي تمثل في انسحاب إسرائيل عام 2000 من جنوب لبنان والثاني اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري تاليا من لبنان، إذ أعقب ذلك انقسام بين معسكري 8 آذار و14 آذار حيث انعكس ذلك على مسار الاحتجاجات الاجتماعية.

ويقسم الباحث تلك الحركات الاجتماعية إلى حركات شرعية وأخرى غير شرعية، حيث كانت تلك الحركات غير منفصلة عن حالة الصراع السياسي في المجتمع، والخلفيات المذهبية والصراعات الإقليمية في المنطقة. ويؤرخ الباحث للحركات الاجتماعية في المغرب منذ منتصف التسعينيات، مبينا أن تحول تلك الحركات باتجاه العمل السلمي كان ناجما عما طرأ على بنية النظام السياسي من تبدل تجلى في انتقاله من نظام مغلق إلى نظام منفتح نسبيا، لأسباب بعضها خارجي والبعض الآخر داخلي.

كما يشير إلى عامل آخر ساهم في تعزيز تلك الحركات وتجلى في انتقال أحزاب المعارضة إلى رئاسة الحكم، وكان عام 2000 هو بداية لظهور حركات أكثر تسيسا من نظيرتها المصرية، إضافة إلى بروز دور الحركات العفوية البعيدة عن التنظيمات السياسية. ويقدم الباحث عرضا وافيا للمشاكل السياسية والاجتماعية في المغرب، نظرا لما لعبته من دور في تحديد طبيعة تلك الحركات الاجتماعية هناك.

أما على صعيد الحركات الاحتجاجية في البحرين فترى الدارسة بداية تعقيدا في الواقع البحريني الذي يحوي الكثير من المتناقضات فهو يمتلئ بزخم غير عادي على مستويات متعددة، رغم أن سطحه لا يوحي بذلك.

أما على مستوى الحركات الاحتجاجية فإن عقد التسعينيات من القرن الماضي قد شهد زخما واسعا في تلك الحركات التي جرى دمجها في النظام السياسي منذ استفتاء 2001. وفي ضوء قراءتها في المشهد البحريني تحدد منطلقها في هذه الدراسة التي تحاول رصد الجديد تجليات الحركة، وبيان الحركات الأخرى التي لها شكل غير سياسي وتؤدي دورا سياسيا، في حين تركز حركات أخرى على مطالب مهنية أو نقابية أو طبقة أو طائفة ثم تصبح أهم أثرا وأقدر على المناورة من الحركات المنظمة.